كوب اللبن

منذ مولدى ونعومة أظفارى كانت أمى تجرعنى اللبن... كبرت مع الأيام 
تلقينى فى مضجعى وتجرعنى اللبن ...
أريد أن أجلس معها بمفردنا أريد أن أنفرد بها ... تصرخ فى 
اذهبى إلى مضجعك واشربى اللبن , لقد وضعته بجانب السرير
كرهته ... كرهت حتى اسمه ... إنه يذكرنى بأننى دائماً مقيدة الأيدى ... لا أستطيع أن 
أفك قيودى




لا أبدى رأياً , أو أفعل شيئاً
يدور بخاطرى ... أهمس فى نفسى ... أريدك أمى , أريد أن أتحدث إليك يا ااأمى
أمى أنا الآن أصبحت كما يقولون فى سن المراهقة ... أحتاجك أمى
أريد سماع نصيحتك أريدك أن تبادلينى الحديث ... أريد حضنك الدافئ الحنون
آاااه !!! ولكننى أرى أننى أعيش على هامش الحياة ... ليس لى كيان .. ما من أحد
يشعر بى أو يقدر إحساسى

دق جرس الباب  صوت أقدام 
= أهلاً وسهلاً ... تفضلى
من جاء الآن ... أذهب لأرى من بضيافة أمى 
مهلاً يا .. يجب أن أمشى على أطراف أصابعى ... يجب أن أفتح الباب بهدوء
آه .. إنها صديقة أمى .. ولكن لماذا أتت الآن , فليس من عادتها!!
إنها دائماً تأتى صباحاً تشرب القهوة مع أمى ويتبادلا الحديث .. لابد وأن هناك شئ
أصغيت بأذنى ....
آه ... لا أصدق ... جاء يوم النجاة
= ربنا يقدم مافيه الخير
: تصبحى على خير

أغلقت أمى الباب
جريت مسرعة .. غطيت رأسى .. قلبى ينبض بشدة .. لا أكاد أن أتمالك أنفاسى , يارب .. يارب
جاءت أمى وفتحت باب غرفتى
= يا ... هل نمت ؟
ما أستطيع أن أجيب ... شفتاي ترتعشان ... ما هذا البرد , إن الجو قارس
ولكن كيف ؟ !! 
فنحن فى إجازة الصيف ... نعم إنه الخوف , أعرفه إنه الخوف
يذكرنى بطفولتى عندما تدخل معلمة الحساب ... كم مر على مثل هذا الشعور
= يا ... هل نمت ؟ هل تسمعينى ؟
أخذت نفس عميق ... رفعت الغطاء عنى وجهى
- آاااهه ... نعم يا أمى ... أتريدين منى شئ ... أنا تحت أمرك أمى
= لقد تقدم لخطبتك رجل أعمال محترم ... يكبرك بخمسة عشر عاماً , فهل توافقين ؟
- قلبى يتراقص فرحاً
- أمى ... ماذا تقولين ؟ الدراسة أمى ألن أكمل تعليمى ؟
= تكملين وأنت عنده .
- إنه ضعف عمرى يا أمى .
= العمر الكبير لا يعيب .. إنه رجل أعمال وسيغدق عليك بالهدايا وتعيشين سعيدة لا ينقصك شئ
- أمرك أمى .. أهذه نصيحتك لى ؟
= طبعاً ابنتى .. انا أحب لك أن تعيشى مرفهة وتجدين من يخدمك وتسعدين بالحياة
- كما تريدين أمى ... موافقة

= تصبحين على خير
- أأشرب كوب اللبن ؟
= كما تحبين .
الحمد لله .. جاء يوم نجاتى .. لقد حضر الزوج المنتظر , كنت أريدك منذ زمن بعيد ...
لماذا تأخرت حتى الآن .. أريدك أن تنتشلنى مما أنا فيه .. أريد النجاة
أريد إنسان يشعر بى أتحدث إليه ... أريدك أن تأخذنى على حصانك الآبيض وتطير بى كما فى الأساطير عندما يأتى أمير الأحلام
أخيراً أتيت أميرى
سوف أرتدى الفستان الأبيض سوف أخرج للحياة .. سوف أطير فى السماء
آاااااه
اليوم ابتسمت ليّ الحياة أخيراً يادنيا أرى ابتسامتك ... طال انتظارى
ولكننى أسامحك وأشكرك
آااااه الحمد لله

ما أحلى الحياة بغير قيود ... ما أحلى الحرية 
أخذنى حيث الهدوء والجمال ... البحر الهواء .. الحدائق الخضراء
أستطيع الآن أن أجرى وألعب ... بعد أن ظللت حبيسة البيت .. كنت لا أستطيع الحراك لأننى كسيحة... مقيدة الأيدى والأرجل ..... والشفاة
كنت أسيرة القيود والسيطرة
ولكن ... لا يهم الآن كل هذا لأننى عرفت معنى السعادة

آااااه ..... ضوء القمر يداعب الماء

آاااه .... ذرات المطر تداعبنى

- حبيبى إننى مدينة لك بسعادتى
= هيا .. هيا المطر ينزل وقد يشتد

- حبيبى أنا أحب المطر ..

أطلقت شعرى حراً طليقاً... فردت ذراعي ... رفعت رأسى للسماء
أطوف حول نفسى آاااه كم أنا سعيدة حبيبى

= هيا بنا ... يجب أن نرحل غداً ...
- أصابنى الدهشة ... حبيبى .. ماذا تقول ؟ إلى أين نرحل ؟
= إلى منزلنا .. يجب أن أباشر أعمالى .. لقد أعطيتك عشرة أيام من وقت عملى...
ومن الممكن أن يؤثر هذا على مستوى العمل كله .
حملت أفراحى وسعادتى معى فى قلبى ... أيام مضت وحتماً لن تنتهى
ركبت سيارته الفارهة ...أمسكت بيده أشعر بدفئ قلبه يسرى فى عروقى
إنه حبيبى إنه زوجى
ظللت أنظر عن يمينى وشمالى ... هنا كنت أجرى ... هنا ضمنى إلى صدره ... هنا كان المطر

دخلت المنزل منزل الزوجية ... منزل جميل

كل ركن من أركانه تحيا فيه الزهور والأوراق الخضراء ... إنه زوجى كل مافيه جميل
حتى منزلنا الذى أعد
- إننى سوف أعتنى به وبالزهور ... و أولاً .. بك حبيبى
= ليس الآن زوجتى ... لم يعد ثم وقت للحديث
إننى عدت لأعود إلى عملى ... وقد حان الوقت .

مرت الساعات والدقائق على مهلٍ ...انتظرت عودة حبيبى ... طال انتظارى 
مكثت أرقب الشارع من نافذة غرفتى ..الأمطار تهطل بغزارة

كلما مر ضوء ظننت أنها سيارته ... سيارة حبيبى

جلست على الكرسى وأخذت أتأرجح ... غلبنى النعاس ...
ولكننى أشعر به .. لقد عاد حبيبى .. ولكن كم الساعة الآن ؟
يااااه الثانية بعد منتصف الليل
- جريت عليه .. حبيبى طال غيابك .. لماذا تأخرت عنى ... افتقدتك حبيبى ... كنت أشعر بالخوف 
عليك .. لا أحب وحدتى
= لا تشغلى بالك بى .
-ولكننى أريدك .. أريد أن تبادلنى الحديث , أريد أن أعرف مدى حبك لى .. أريدك تقول لى أحبك .
= أي حديث ... ليس عندى الوقت لما تقولين .. ويجب أن أنام الآن
- ولكننى لا أستطيع النوم بدونك .
= لا عليك ... عندما يغلبك النوم ولا تستطيعين .. اشربى كوباً من اللبن .. ولا تنتظرين .
تصبحين على خير . أريد أن أصحو مبكراً .

كوب اللبن !! نعم أعرفة قضيت معه عمراً

آااااااااه ... لقد عدت من حيث أتيت .... كوب اللبن

تمت
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

مها بنت فؤاد الديدى
اللهم اقبضنى أنا وأولادى عند بيتك المحرم ساجدين ملبين صائمين شهداء
وكل من دعا لنا بخير وقال آمين