الاثنين، 19 نوفمبر 2012

15

و قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -

      الاختلاف إنما يُورِثُ شُبهة إذا لم تتبين سُنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم .
فأما إذا تَبَيَّنَا أن النبى صلى الله عليه وسلم أرخص فى شئ , وقد كُرِهَ أن نتنزه عما تَرَخَص فيه , وقال لنا : " إن الله يُحب أن يُؤخذ برخصه كما يكره أن تُؤتى معصيته "(1).
     فإن تنزهنا عنه , عصينا رسول الله عليه السلام , والله ورسوله أحق أن نرضيه , وليس لنا أن نُغضب رسول الله عليه السلام لشهة وقعت لبعض العلماء , كما كان عام الحديبية , ولو فتحنا هذا الباب لكنا نكره لمن أرسل هدياً أن يستبيح مايستبيحه الحلال لخلاف ابن عباس , ولكنا نستحب للجُنُب إذا صام أن يغتسل لخلاف أبى هريرة , ولكنا نكره تطيب المُحرِم قبل الطواف لخلاف عمر و ابنه ومالك , ومثل هذا واسع لا ينضبط .
    وأما من خالف فى شئ من هذا من السلف والأئمة - رضى الله عنهم - فهم مجتهدون قالوا بمبلغ علمهم واجتهادهم , وهم إذا أصابوا فلهم أجران , وإذا أخطأوا فلهم أجر , و
الخطأ محطوط عنهم , فهم معذورون لاجتهادهم , ولأن السُنة - من العلماء وغيرهم - وتبين له حقيقة الحال , فلم يَبٌ له عُذر فى أن يتنوه عما تَرَّخَصَ فيه النبى عليه السلام,
ولا يَرغَب عن سُنَته لأجل اجتهاد غيره , فإنه قد ثبت عنه فى الصحيحين أنه بلغه أن أقواماً يقول أحدهم : أما أنا فأصوم ولا أفطر .... الحديث (2)
وفى الجملة , باب الاجتهاد والتأويل باب واسع ... انتهى (3)


(1) رواه أحمد وقال أحمد شاكر إسناده صحيح (5873)
(2)
جاء ثلاثُ رهطٍ إلى بُيوتِ أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، يَسأَلونَ عن عبادةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فلما أُخبِروا كأنهم تَقالُّوها ، فقالوا : أين نحن منَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ قد غفَر اللهُ له ما تقدَّم من ذَنْبِه وما تأخَّر ، قال أحدُهم : أما أنا فإني أُصلِّي الليلَ أبدًا ، وقال آخَرُ : أنا أصومُ الدهرَ ولا أُفطِرُ ، وقال آخَرُ : أنا أعتزِلُ النساءَ فلا أتزوَّجُ أبدًا ، فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : ( أنتمُ الذين قلتُم كذا وكذا ؟ أما واللهِ إني لأخشاكم للهِ وأتقاكم له ، لكني أصومُ وأُفطِرُ ، وأُصلِّي وأرقُدُ ، وأتزوَّجُ النساءَ ، فمَن رغِب عن سُنَّتي فليس مني ) .
صحيح البخارى  - عن أنس بن مالك - حديث (5063).
(3) الفتاوى - فقه الطهارة والصلاة - جزء (11) مسألة (
60/21 -64/21). ص(37-38).

-------------------------------------------------------------------------------

الاثنين، 12 نوفمبر 2012

(14)

"  كَانَ يَكُونُ عَليَّ الصَّومُ مِن رَمَضَانَ، فَمَا أَستَطِيعُ أَن أقضِيه إلا في شعبانَ .(1)

وعن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال :
 بينما نحن جُلوسٌ عِندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذ جاءَه رجلٌ فقال : يا رسولَ اللهِ، هلَكتُ . قال : ما لَكَ . قال : وقَعتُ على امرأتي وأنا صائمٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : هل تجِدُ رقبةً تُعتِقُها ؟. قال : لا . قال : فهل تستطيعُ أن تصومَ شهرينِ متتابعينِ ؟. قال : لا . فقال : فهل تجِدُ إطعامَ ستينَ مسكينًا ؟ . قال : لا . قال : فمكَث النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم . فبينا نحن على ذلك أُتِيَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَرَقٍ فيه تمرٌ، والعَرَقُ المِكتَلُ، قال : أين السائلُ ؟. فقال : أنا . قال : خُذْ هذا فتصدَّقْ به . فقال الرجلُ : على أفقرَ مني يا رسولَ اللهِ ؟ . فواللهِ ما بين لابَتَيها، يُريدُ الحَرَّتينِ، أهلُ بيتٍ أفقرُ من أهلِ بيتي . فضَحِك النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى بدَتْ أنيابُه ثم قال : أطعِمْه أهلَك .(2)

     قال ابن حجر - رحمه الله - : هذا الرجل كان عامداً عارفاً بالتحريم . انتهى
وروى مسلم - رحمه الله -
عن عتبان بن مالك "أصابني في بصري بعضُ الشَّيءِ فبعثتُ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أنِّي أحبُّ أن تأتيني فتصلِّيَ في منزلي فأتَّخذُهُ مصلَّى قالَ فأتى النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ومن شاءَ اللَّهُ من أصحابِهِ فدخلَ وهوَ يصلِّي في منزلي وأصحابُهُ يتحدَّثونَ بينهم ثمَّ أسندوا عُظْمَ ذلكَ وكُبْرَهُ إلى مالكِ بنِ دُخشُمٍ قالوا ودُّوا أنَّهُ دعا عليهِ فهلكَ وودُّوا أنَّهُ أصابهُ شرٌّ فقضى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الصَّلاةَ وقالَ أليسَ يشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنِّي رسولُ اللَّهِ قالوا إنَّهُ يقولُ ذلكَ وما هوَ في قلبِهِ قالَ لا يشهدُ أحدٌ أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنِّي رسولُ اللَّهِ فيدخلَ النَّارَ أو تطعمَه قالَ أنسٌ فأعجبني هذا الحديثَ فقلتُ لابني اكتبْهُ فكتبهُ" (3)
روى مسلم - رحمه الله -
عن البراء قال :"ضحَّى خالي ، أبو بردةَ قبلَ الصلاةِ . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ( تلك شاةُ لحمٍ ) فقال : يا رسولَ اللهِ ! إنَّ عندي جَذَعَةٌ من المعْزِ . فقال ( ضحِّ بها . ولا تصلحُ لغيرك ) . ثم قال ( من ضحَّى قبلَ الصلاةِ ، فإنما ذبح لنفسِه . ومن ذبح بعدَ الصلاةِ ، فقد تَمُّ نُسُكُه وأصاب سُنَّةَ المسلمين ) .(4)

    وقد شرع الله سبحانه وتعالى الفطر فى السفر والقصر فى الصلاة للتخفيف ورفع المشقة , ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال فى الصيام رحمة بنا , و
شرع الله سبحانه وتعالى القرض الحسن للتخفيف ورفع الحرج والتواصل والتراحم بين المسلمين. والله أعلى وأعلم.

(1) متفق عليه - البخارى - كتاب الصوم - (1950) اللفظ للبخارى .
(2)البخارى - كتاب الصوم - (1936).
(3) مسلم - كتاب الإيمان - (147).
(4) مسلم - كتاب الأضاحى -(5042).
----------------------------------------------------------------------------------

(13)

                                        " يُسرِ الشَريعة "

    فمتى وُجِدَتِ الرُخصة أُبِيحَ الاجتهاد , وقد بُنِيَتِ الشريعة على التيسير والتخفيف,
قال الله تعالى :"
 يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" (1)

وقال الله تعالى :"
 يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا
 "(2)
وعن عائشة - رضى الله عنها -قالت :





(1) سورة البقرة (185).
(2) سورة النساء (28) .
(12)

                               " هلك المتنطعون "

      وقد ذم رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتهد فشدد على نفسه (أخذاً بالأحوط)
خشية أن يصبح التنطع سُنة يُستَن بها .
      روى البخارى - رحمه الله -
 عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال " 
جاء ثلاثُ رهطٍ إلى بُيوتِ أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، يَسأَلونَ عن عبادةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فلما أُخبِروا كأنهم تَقالُّوها ، فقالوا : أين نحن منَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ قد غفَر اللهُ له ما تقدَّم من ذَنْبِه وما تأخَّر ، قال أحدُهم : أما أنا فإنا أُصلِّي الليلَ أبدًا ، وقال آخَرُ : أنا أصومُ الدهرَ ولا أُفطِرُ ، وقال آخَرُ : أنا أعتزِلُ النساءَ فلا أتزوَّجُ أبدًا ، فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : ( أنتمُ الذين قلتُم كذا وكذا ؟ أما واللهِ إني لأخشاكم للهِ وأتقاكم له ، لكني أصومُ وأُفطِرُ ، وأُصلِّي وأرقُدُ ، وأتزوَّجُ النساءَ ، فمَن رغِب عن سُنَّتي فليس مني ) .(1)

قال بن حجر - رحمه الله - فتح البارى
    إن منع تناول ذلك أحياناً ( أى المباحات ) يُفضِى إلى التَنَطُع المَنهى عنه , كما
أن الأخذ بالتشديد فى العبادة يُفضى إلى المَلَل القاطع لأصلها وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلاً وترك التَنَفُل يُفضى إلى إيثار البطالة وعدم النشاط إلى العبادة , وخير الأمور الوسط .
وفى قوله إنى لأخشاكم لله مع مانضم إليه إشارة إلى ذلك , وفيه أيضاً إشارة إلى أن
العلم بالله ومعرفة مايجب من حقه أعظم قدراً من مُجرد العبادة البدنية .
 والله أعلم . انتهى .

                                 " لا اجتهاد مع النص "

      ولايجوز الاجتهاد مع نص صريح وذلك لما رواه البخارى ومسلم - رحمها الله -
وغيرهما
أَرَادَ عُثمان بن مَظعُون أن يَتَبَتَلَ . فَنَهَاهُ رُسول الله صلى الله عليه وسلم . وَلَو أَجَازَ لَهُ ذَلِكَ ، لَاختَصَينَا .(2)

 قال الإمام النووى - رحمه الله -
لو أذن له فى الانقطاع عن النساء , وغيرهن من ملاذ الدنيا لا ختصينا لدفع شهوة
النساء ليمكننا التبتل , وهذا محمول على أنهم كانوا يظنون جواز الاختصاء باجتهادهم ولم يكن ظنهم هذا موافقاً . انتهى

قال الله تعالى :
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ "(3)


(1) صحيح البخارى - كتاب النكاح - حديث رقم (5063).
(2)البخارى - كتاب النكاح - (5073-74) مسلم - كتاب النكاح -(3392)واللفظ لمسلم.
(3) سورة المائدة (87).

-------------------------------------------------------------------------------
(11)

يوضع مع اجتهاد عمر .. مع مراجعة الحديث من صحيح مسلم
===============

 لما كان يوم بدر ، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف ، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا . فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة . ثم مد يديه فجعل يهتف بربه ( اللهم ! أنجز لي ما وعدتني . اللهم ! آت ما وعدتني . اللهم ! إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ) فما زال يهتف بربه ، مادا يديه ، مستقبل القبلة ، حتى سقط رداؤه عن منكبيه . فأتاه أبو بكر . فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه . ثم التزمه من ورائه . وقال : يا نبي الله ! كفاك مناشدتك ربك . فإنه سينجز لك ما وعدك . فأنزل الله عز وجل : إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين [ 8 / الأنفال / 9 ] فأمده الله بالملائكة . قال أبو زميل : فحدثني ابن عباس قال : بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه . إذ سمع ضربه بالسوط فوقه . وصوت الفارس يقول : اقدم حيزوم . فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا . فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه ، وشق وجهه كضربة السوط . فاخضر ذلك أجمع . فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال ( صدقت . ذلك مدد السماء الثالثة ) فقتلوا يومئذ سبعين . وأسروا سبعين . قال أبو زميل : قال ابن عباس : فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر ( ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟ ) فقال أبو بكر : يا نبي الله ! هم بنو العم والعشيرة . أرى أن تأخذ منهم فدية . فتكون لنا قوة على الكفار . فعسى الله أن يهديهم للإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما ترى ؟ يا ابن الخطاب ؟ ) قلت : لا . والله ! ما أرى الذي رأى أبو بكر . ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم . فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه . وتمكني من فلان ( نسيبا لعمر ) فأضرب عنقه . فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها . فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر . ولم يهو ما قلت . فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان . قلت : يا رسول الله ! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك . فإن وجدت بكاء بكيت . وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء . لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة ) ( شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم ) وأنزل الله عز وجل : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض . إلى قوله : فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا [ 8 / الأنفال / 67 - 69 ] فأحل الله الغنيمة لهم .
الراوي:عبدالله بن عباس و عمر بن الخطابالمحدث:مسلم - المصدر:صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم:1763
خلاصة حكم المحدث:صحيح 
 حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ (بَدْرٍ) وَالْتَقَوْا فَهَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ وَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا وَأُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا اسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ وَالْإِخْوَانُ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمُ الْفِدْيَةَ، فَيَكُونَ مَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ قُوَّةً لَنَا عَلَى الْكُفَّارِ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ فَيَكُونُوا لَنَا عَضُدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ»، قَالَ: قُلْتُ وَاللَّهِ مَا أَرَى مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَلَكِنْ أَنْ تُمَكِّنَنِي مِنْ فُلَانٍ- قَرِيبٍ لِعُمَرَ- فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ حَمْزَةَ مِنْ فُلَانٍ أَخِيهِ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ حَتَّى يَعْلَمَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- أَنَّهُ لَيْسَ فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ، هَؤُلَاءِ صَنَادِيدُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ، فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَأَخَذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ؛ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ عُمَرُ: غَدَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا هُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَإِذَا هُمَا يَبْكِيَانِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا يُبْكِيكَ أَنْتَ وَصَاحِبُكَ، فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنَ الْفِدَاءِ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنَ الشَّجَرَةِ»- لِشَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ- وَأَنْزَلَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إِلَى قَوْلِهِ:{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} مِنَ الْفِدَاءِ{عَذَابٌ عَظِيمٌ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ.
-------------------------------------------------
(10)

وأيضاً خالف أبو بكر رضى الله عنه الجمهور فى مسألة قتال أهل الردة فكان الصواب معه .
 لما تُوفِّيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واستُخلِفَ أبو بكرٍ بعدَه ، وكفَر مَن كفَر منَ العرَبِ ، قال عُمَرُ بن الخطاب لأبي بكرٍ : كيف تُقاتِلُ الناسَ ؟، وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( أُمِرتُ أن أُقاتِلَ الناسَ حتى يقولوا لا إلهَ إلا اللهُ ، فمَن قال لا إلهَ إلا اللهُ عصَم مني مالَه ونفسَه إلا بحقِّه وحِسابُه على اللهِ ) . فقال أبو بكر : واللهِ لأُقاتِلَنَّ مَن فرَّق بينَ الصلاةِ والزكاةِ ، فإنَّ الزكاةَ حقُّ المالِ ، واللهِ لو منَعوني عِقالًا كانوا يؤدُّونَه إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقاتَلتُهم على مَنعِه . فقال عُمَرُ بن الخطاب : فواللهِ ما هو إلا أن رأيتُ اللهَ عز وجل قد شرَح صدرَ أبي بكرٍ للقِتالِ فعرَفتُ أنه الحقُّ .(1)

(1) متفق عليه - صحيح مسلم - كتاب الإيمان -باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله (124)صحيح البخارى - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة(7284-85) الزكاة (1399) .واللفظ للبخارى.

 قال الخطابى - رحمه الله -:
      وقعت الشُبهة لعمر رضى الله عنه , فراجع أبا بكر رضى الله عنه وناظره ... وكان فى ذلك من قوله دليل على أن قتال الممتنع من الصلاة كان اجماعاً من الصحابة وكذلك رد المختلف فيه إلى المتفق عليه , فاجتمع فى هذه القضية الاحتجاج من عمر رضى الله عنه بالعموم ومن أبى بكر رضى الله عنه بالقياس ... فلما استقر عند عمر صحة رأى أبى بكر رضى الله عنهما وبان له صوةابه , تابعه على قتال القوم .
قال النووى - رحمه الله - :
     وقوله رضى الله عنه فعرفت أنه الحق , لا أن عمر قلد أبا بكر رضى الله عنهما,
فإنَّ المجتهد لا يقلد  المجتهد ... وفيه جواز القياس والعمل به ... وفيه جواز التمسك بالعموم ...
    وفيه اجتهاد الأئمة فى النوازل وردها إلى الأصول ومناظرة أهل العلم فيها ورجوع
من ظهر له الحق إلى قول صاحبه .
    وفيه ترك تخطئة المجتهدين المختلفين فى الفروع بعضهم بعضاً .
    وفيه الإجماع لاينعقد إذا خالف من أهل الحَل والعَقد واحد , وهذا هو الصحيح المشهور . انتهى.(1)
(1) شرح صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب :الأمر بقتال الناس حتى يقولوا
 لاإله إلا الله - بتصرف لايضر المعنى .

------------------------------------------------------------------
(9) -

روى البخارى - رحمه الله - عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال :
{ لما مات عبد الله بن أُبى بن سلول دُعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه فقلت : يارسول الله أتُصلى على ابن أُبى وقد قال يوم كذا وكذا , كذا وكذا - أعدد عليه قوله - فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : "آخر عنى ياعمر ", فلما أكثرت عليه قال :" إنى خُيرت فاخترت , لو أعلم أنى إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها " , قال : فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف , فلم يمكُث إلا يسيراً حتى نزلت الآياتان من براءة { :وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً } إلى { وَهُم فَاسِقُون} قال : فعجبت بعد من جُرأتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ , والله ورسوله أعلم }. (1)

      لقد خالف الفاروق عمر الجمهور فى الصلاة على عبدالله بن أبى , فكان  الحق معه , والجمهور آنذاك من هم ؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه .

ولقد اجتهد عمر الفاروق فى حضرة النبى صلى الله عليه وسلم وهو فى مرضه الذى مات فيه عليه الصلاة والسلام .
 لما اشْتَدَّ بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجَعُهُ قال : ائْتُوني بكِتابٍ أكتُب لكم كتابًا لا تضِلُّوا بعدهُ. قال عُمَرُ : إن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟َلَبَهُ الوَجَعُ، وعِندَنا كتابُ اللهِ حسبُنا . فاختَلَفوا وكَثُرَ اللَّغَطُ، قال : قوموا عني، ولا ينبغي عِندَي التنازُعُ . فخرج ابنُ عباسٍ يقول :إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ ما حالَ بينَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبينَ كتابِهِ .(2)

قال عمر رضى الله عنه " كتاب الله حسبنا "و سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم
لموافقة عمر مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وسكوته عليه السلام وَحىٌ " إن هو إلا وحى يوحى".

قال ابن حجر - رحمه الله -" فتح البارى " ولو كان واجباً لم يتركه لاختلافهم , لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف , وفيه وقوع الاجتهاد بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم , فيما لم يتنزل عليه , و لبطلت فضيلة العلماء وعدم الاجتهاد .  انتهى باختصار.
ويدل على ذلك مارواه مسلم -رحمه الله-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{ تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به , كتاب الله }.(3)
روى البخارى ومسلم - رحمهما الله - عن عائشة رضى الله عنها :
"أنها استعارت من أسماءَ قِلادةً فهلكتْ، فأرسل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ناسًا من أصحابه في طلَبها، فأدركتْهم الصلاةُ فصلَّوا بغير وضوءٍ، فلما أتوا النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ شكوا ذلك إليه، فنزلت آيةُ التيمُّم، فقال أُسيدُ بنُ حُضيرٍ : جزاكِ اللهُ خيرًا، فوالله ما نزل بكِ أمرٌ قطُّ، إلا جعل اللهُ لكِ منه مخرجًا، وجعل للمسلمين فيه بركةً" .(4).

     قال الإمام النووى - رحمه الله -فى الباب من حديث عمار :
جواز الاجتهاد فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم , فإن عماراً رضى الله عنه اجتهد فى صفة التيمم , ويجوز تلاجتهاد فى زمنه عليه السلام بحضرته وفى غير حضرته.انتهى(5)

لقد صلى الصحابة رضوان الله عليهم الفرض بغير طهور وكذلك عمارً صلى جُنُباً مع اجتهاده , فلم يُأمروا بالإعادة , فما بالنا بما هو ليس بفرض , ولم يأتِ نص صحيح صريح .

(1) البخارى - كتاب الجنائز - (1366-4671-4672).
(2) البخارى - كتاب العلم - (114).
(3) صحيح مسلم - حجة النبى صلى الله عليه وسلم - (2941).
(4)متفق عليه -مسلم- كتاب الحيض (815) البخارى - كتاب النكاح -(5164)كتاب فضائل الصحابة (3773) واللفظ للبخارى.
(5)"فقال عمار : أما تذكر ياأمير المؤمنين إذ أنت فى سرية فأجنبنا فلم نجد ماء , فأما أنت فلم تُصل , وأما أنا فتمعكت فى التراب وصليت ... " صحيح مسلم - كتاب الحيض - (818).
----------------------------------------------------------------